من أسماء الله الحسنى غافر ، غفار ، غفور - مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم
دلالة غَفَرَ في اللغة
أعني بالمادة هنا: مادة ( غفر ) وبالأسماء : الأسماء الثلاثة ( غافر – غفار – غفور ).
يقول ابن فارس: ( الغين والفاء والراء : عُظْمُ بابِه الستر ، ثم يشذّ عنه ما يُذْكر .
فالغَفْرُ : الستر ، والغُفْران والغَفْر بمعني ، يقال : غَفَرَ الله
ذنبَهم غفراً ومغفرة وغفراناً .... ويقال : غفر الثوب , إذا ثار زئبرُهُ ،
وهو من الباب ، لأن الزئبر يغطي وجه الثوب ، والمِغْفَرُ معروف ،
والغِفَارةُ : خِرقة يضعها المدّهن على هامته ، ويقال : الغفير : الشعر
السائل في القفا .
وذكر عن امرأة من العرب أنها قالت لابنتها ( اغفري غفيرك ) تريد : غطيه . )
ويقول الزجاج : ( أصل الغفر في الكلام :الستر والتغطية ، ومعنى الغفر في
الله تعالي : هو الذي يستر ذنوب عباده ، ويغطيهم بستره كما جاء في الدعاء
( يا ستّار استرنا بسترك الحسن الجميل ) .
وعند ابن منظور : ( أصل الغَفْر في الكلام : التغطية والستر ، غَفَرَ الله ذنوبه أي سترها ، والغفر : الغفران .
وفي الحديث كان إذا خرج من الخلاء قال : غفرانَكَ الغفران : مصدر وهو منصوب بإضمار أطلب ...........
وقد غَفَرَهُ يغفره : غفراً : ستره ، وكل شئ سترته فقد غفرته .
ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأس : مغفر ...
وتقول العرب : أصبُغ ثوبَك بالسواد فهو أغفرُ لوَسَخِه ، أي أحْمَل له
وأغطي له ، ومنه : غفر الله ذنوبَه ، أي سترها ، وغفرت المتاع جعلته في
الوعاء ... وغَفَرَ المتاع في الوعاء يغفره غفراً ، وأغفره : أدخله وستره
وأوعاه .
وكذلك غفر الشيب بالخضاب وأغفره . قال .
حتى اكتسيتُ من المشيبِ عمامةً ... غفراءَ أغفَرَ لونُها بخضاب 0
وكل ثوب يغطي به شيء فهو غفارهُ ، ومنه غفارة الذنّون تُغَشّي بها الرحال ، وجمعها غفارات وغفائر .
وفي حديث عمر : لما حصّب المسجد قال : هو أغفر للنخامة أي :أسترله
والغَفْرُ والمغفرة : التغطية على الذنوب والعفو عنها .... والغُفْرَةُ :
ما يغطي بها الشيء ..
والغُفْرُ أيضاً : هُدْبُ الثوب وهُدْبُ الخمائص
، وهي القُطُف دقاقها ولينها ،وليس هو أطراف الأردية ولا الملاحف ...
وغُفْرُ الكلأ: صغارُهُ ، وأغفرت الأرض نبت فيها شيء منه ...
وغَفَرَ الجُرْحُ ويغفر غفراً: نُكِسَ وانتُقِض ... ويُقال للرجل إذا قام من مرضه ثم نُكس :غُفِر)
وفي كتاب التعريفات للجرجاني 0
( المغفرةُ :سترُ القادر للقبيح الصادر ممن تحته ، حتى إن العبد إذا سترَ عيبَ سيدِه خوفَ عقابه لا يُقال : غَفَرَ له . )
ويقال : ( اللهم غفراً ، وليست فيهم غفيرة أي لا يغفرون ذنب أحد ، قال
يا قوم ليست فيهم غفيرة . . فامشوا كما تمشى جمال الحيرة
أي فامشوا إلى حربهم مشي جمال الحيرة .).
(ومن المجاز : قول زهير:
فلاقت بياناً عند آخر معهد أضاعت فلم تُغْفَرْ لها غفلاتُها
أي لم تغفر السباع غفلتها عن ولدها فأكلته . )
( والغفير : الكثير ، ويقال جاء القوم جماً غفيراً ، أي جاءوا جميعاً )
وتلك دلالة الصيغة كما يبدو .
خلاصة ما سبق :
إن دلالة هذه المادة ( غ – ف – ر ) تدور حول عدة أمور منها :
1- الستر والتغطية وهذا هو الأصل ، ويشتق من اللفظ كلمات تطلق على هذا
المستور، فالغفير :هو القفا ، والمغفر : ما يوضع على الرأس ليستره ،
والغفارة : الثوب يغطى به الشيء .
2- كما يطلق اللفظ على الأشياء الدقيقة مثل هُدب الثوب حيث يقال له غَفْر ، ويقال أيضاً للنبات الصغير ( غَُفْرُ الأرض ) .
ولعل ذلك يربط بين المغفرة وصغائر الذنوب .
3- كما أن الكلمة تدل على عكس الستر فتعني الكشف والانفتاح ، كما في(غفر الجرح) بمعنى انتقض وفُتِحَ وانكشف ما فيه .
4- تدل الكلمة أيضاعلى العفو عن هذا الذنب المغفور فالمغفرة ستر يتبعه عفو.
5- وفي دلالة الكلمة أيضاً معنى الغلبة والقدرة فلا يقال ( غَفَرَ ) إلا عن اقتدار وتمكن، مما يعني أن المغفرة بداية العفو .
وهكذا تلين الكلمة وتطوع ؛لأن للسياق دوراً في توجيه المراد منها ،لكن تبقي مع هذا معقودة بأصلها وهو الستر والتغطية
دلالة ( غَفَرَ ) في القرآن الكريم .
يقول الأصفهاني : ( الغَفْرُ : إلباسُ ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل :
اغفر ثوبك في الوعاء ، واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من الله تعالي ، هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب ..قال : غفرانك ربنا ..
ومغفرة من ربكم .. ومن يغفر الذنوب إلا الله ، وقد يقال : غفرله إذا تجافي عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن نحو قوله تعالي: (قُلْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الجاثـية:14)
والاستغفار : طلب ذلك بالمقال والفعال .. وقوله ( استغفروا ربكم ) لم
يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط ، بل باللسان وبالفعال ، فقد قيل :
الاستغفار باللسان من دون فعل ذلك بالفعال فعلُ الكذّابين وهذا معني :
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)
(والغافر والغفور) في وصف
الله تعالي نحو ( غافر الذنب ) ( إنه غفور شكور ) والغفيرة : الغفران ،
ومنه قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) (إبراهيم:41)
وقيل:اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي:استروه بما يجب أن يستر به)
(والغفّار:الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة ، فلما تكررت ذنوبهم تكررت
مغفرته غفراً.)
وإذا كان هذا المعني لا يبعد كثيراً عن المعني
اللغوي ، إلا أن المغفرة في القرآن الكريم ، من خلال الأسماء الحسنى (
غافر – غفار – غفور ) تكتسب ظلالا أخرى وتتشرب من عيون
السياقات المتنوعة دلالات جديدة ، لكنها في الختام تعود إلى الأصل وهو :
الستر والتغطية .
وهذا سيتضح من خلال تحليل النماذج وسياقاتها داخل كل سورة .
الفروق الدلالية بين الصيغ الثلاثة
( فاعل ـ فعّال ـ فعول )
يرى النحاة أن اسم الفاعل هو[الجاري مجرى الفعل في اللفظ والمعنى ... ويعمل عمل الفعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال ....... ]
[ وليس القصد بقولهم : اسم الفاعل : اسم الصيغة ، بل المراد اسم ما فعل الشيء ]
[ فهو اسم مشتق من الثلاثي يدل على شيئين :
1- معنى مجرد عارض ليس بدائم ويسميه العلماء: الحدث .
2- فاعل هذا المعنى المجرد ويسميه العلماء : الذات ]
[ وصيغة فاعل تحتمل في دلالتها على الحدث : القلة والكثرة ، فإذا أريد
الدلالة على كثرة الحدث ( كماً أو كيفًا) حُوّلت –فاعل- إلى إحدى
صيغ المبالغة ] .
ومعنى هذا أنه [ عند صياغتنا اسم الفاعل فإننا نقصد شيئين :
المعنى المجرد وصاحبه،دون اهتمام ببيان درجة المعنى قوة أو ضعفاً وكثرة أو قلة .
وأما عند استخدامنا ( صيغة المبالغة ) فإننا نقصد إلى الأمرين معاً مزيداً عليهما بيان الدرجة كثرةً وقوةً .
[ ودلالة اسم الفاعل العارضة قد تكون في حق غير الله تعالى لصحة قيام
الأفراد لنفس الحدث لكن في حق الله تعالى فإن دلالة الدوام ثابتة فقولنا (
غافر ) مثلاً .... الغفران لا يكون إلا من الله ولذلك لا يقال : غافر
الذنب إلا لله تعالى .
أما غيره فيجوز أن يقال له : غافر ذنب فلان ، أو غافر الذنب الفلاني ، فيتخصص الذنب بصفته أو بصاحبه .
أما إطلاق الذنب وتعريفه بـ ( ال ) فيشير إلى عمومه ، فـ ( ال ) في
[الذنب] للجنس وليس للعهد فالله تعالى غافر لجنس الذنوب ولذلك قال :
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ) (الزمر53)] أو أنه غافر للذنوب في جميع الأزمنة [ واسم الفاعل
إذا أريد به زمان مستمر كانت إضافته لفظية ، والزمان المستمر يشمل الماضي
والحاضر والمستقبل ...
وإذا كان للثبوت كان غير عامل وكانت إضافته حقيقية ]
أما صيغة (فعال) و ( فعول ) .
فهما من صيغ المبالغة لاسم الفاعل وهذا يعني أن أصلهما اسم الفاعل لكن بولغ فيه.
والمبالغة [أن يذكر المتكلم وصفاً فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده وهي ضربان:
- مبالغة بالوصف بأن يخرج إلى حد الاستحالة ومنه: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور:35)
- ومبالغة بالصيغة : وصيغة المبالغة هي [ فعلان كالرحمن - وفعيل كالرحيم
– وفعال كالقهار – وفعول كغفور ... وفَعِل كحذر ] .
[ وصيغ المبالغة تشتق من الفعل الثلاثي المتعدى فقط لتدل على معنى اسم الفاعل مع المبالغة في المعنى وتأكيده وتقويته .
ومعنى المبالغة : تكرير أصل الفعل وتوكيده ]
وكلام العلماء يفيد أن صيغة (فاعل) لا مبالغة فيها حتى إذا أردنا المبالغة تُحول صيغة فاعل إلى فعال أو فعول أو مفعال ....... الخ
وهذا يثير سؤالاً،وهو:هل المعنى في(فاعل) أقل من المعنى في(فعول) أو ( فعال ) ؟
لقد قال العلماء [ إن (فعال ) أبلغ من ( فاعل ) وقالوا إن ( ضروب ) ناب عن قولك ضارب وضارب وضارب) ]
ولقد [ سأل الصاحب بن عباد القاضي عبد الجبار المعتزلي عن قوله تعالى :
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)
(الإنسان:3)
كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الغفران ؟
فأجاب أن نِعَم الله تعالى على عباده كثيرة وكل شكرٍ يأتي في مقابلها قليل
، وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم ، فجاء ( شكور ) بلفظ ( فاعل ) وجاء (
كفور ) بلفظ ( فعول ) على درجة المبالغة .. فتهلل وجه الصاحب )
كما أن البيهقي في كتابه الأسماء والصفات : وهو يشرح معاني هذه الأسماء يقول :
( غافر : الذي يستر على المذنب ، ولا يؤاخذه به ، فيُشهره ويفضحه .
والغفار : هو المبالغ في الستر فلا يشهر الذنب في الدنيا ، ولا في الآخرة .
والغفور:هو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ويزيد عفوه على مؤاخذته)
كل ذلك قالوه ، لكن الذي أميل إليه أن المبالغة وعدمها إنما تكون عند
استعمال هذه الصيغ في حق الإنسان ، فيقال صابر وصبور ، وآكل وأكول ، وأكال
، فالمبالغة وزيادة المعني في ( فعول وفعال ) مفهومه ، لكن عند استعمال
هذه الصيغ في حق الله تعالي، فالأمر يختلف ولذلك قال الزركشي: إن المبالغة
هنا إنما هي[ بالنسبة إلى تكثير التعلق،لا بالنسبة إلى تكثير الوصف، فاسمه
(الغفار) مثلاً يعني ( الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى وكلما تكررت
ذنوبهم تكررت مغفرته غفراً ) ] ......
دلالة غَفَرَ في اللغة
أعني بالمادة هنا: مادة ( غفر ) وبالأسماء : الأسماء الثلاثة ( غافر – غفار – غفور ).
يقول ابن فارس: ( الغين والفاء والراء : عُظْمُ بابِه الستر ، ثم يشذّ عنه ما يُذْكر .
فالغَفْرُ : الستر ، والغُفْران والغَفْر بمعني ، يقال : غَفَرَ الله
ذنبَهم غفراً ومغفرة وغفراناً .... ويقال : غفر الثوب , إذا ثار زئبرُهُ ،
وهو من الباب ، لأن الزئبر يغطي وجه الثوب ، والمِغْفَرُ معروف ،
والغِفَارةُ : خِرقة يضعها المدّهن على هامته ، ويقال : الغفير : الشعر
السائل في القفا .
وذكر عن امرأة من العرب أنها قالت لابنتها ( اغفري غفيرك ) تريد : غطيه . )
ويقول الزجاج : ( أصل الغفر في الكلام :الستر والتغطية ، ومعنى الغفر في
الله تعالي : هو الذي يستر ذنوب عباده ، ويغطيهم بستره كما جاء في الدعاء
( يا ستّار استرنا بسترك الحسن الجميل ) .
وعند ابن منظور : ( أصل الغَفْر في الكلام : التغطية والستر ، غَفَرَ الله ذنوبه أي سترها ، والغفر : الغفران .
وفي الحديث كان إذا خرج من الخلاء قال : غفرانَكَ الغفران : مصدر وهو منصوب بإضمار أطلب ...........
وقد غَفَرَهُ يغفره : غفراً : ستره ، وكل شئ سترته فقد غفرته .
ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأس : مغفر ...
وتقول العرب : أصبُغ ثوبَك بالسواد فهو أغفرُ لوَسَخِه ، أي أحْمَل له
وأغطي له ، ومنه : غفر الله ذنوبَه ، أي سترها ، وغفرت المتاع جعلته في
الوعاء ... وغَفَرَ المتاع في الوعاء يغفره غفراً ، وأغفره : أدخله وستره
وأوعاه .
وكذلك غفر الشيب بالخضاب وأغفره . قال .
حتى اكتسيتُ من المشيبِ عمامةً ... غفراءَ أغفَرَ لونُها بخضاب 0
وكل ثوب يغطي به شيء فهو غفارهُ ، ومنه غفارة الذنّون تُغَشّي بها الرحال ، وجمعها غفارات وغفائر .
وفي حديث عمر : لما حصّب المسجد قال : هو أغفر للنخامة أي :أسترله
والغَفْرُ والمغفرة : التغطية على الذنوب والعفو عنها .... والغُفْرَةُ :
ما يغطي بها الشيء ..
والغُفْرُ أيضاً : هُدْبُ الثوب وهُدْبُ الخمائص
، وهي القُطُف دقاقها ولينها ،وليس هو أطراف الأردية ولا الملاحف ...
وغُفْرُ الكلأ: صغارُهُ ، وأغفرت الأرض نبت فيها شيء منه ...
وغَفَرَ الجُرْحُ ويغفر غفراً: نُكِسَ وانتُقِض ... ويُقال للرجل إذا قام من مرضه ثم نُكس :غُفِر)
وفي كتاب التعريفات للجرجاني 0
( المغفرةُ :سترُ القادر للقبيح الصادر ممن تحته ، حتى إن العبد إذا سترَ عيبَ سيدِه خوفَ عقابه لا يُقال : غَفَرَ له . )
ويقال : ( اللهم غفراً ، وليست فيهم غفيرة أي لا يغفرون ذنب أحد ، قال
يا قوم ليست فيهم غفيرة . . فامشوا كما تمشى جمال الحيرة
أي فامشوا إلى حربهم مشي جمال الحيرة .).
(ومن المجاز : قول زهير:
فلاقت بياناً عند آخر معهد أضاعت فلم تُغْفَرْ لها غفلاتُها
أي لم تغفر السباع غفلتها عن ولدها فأكلته . )
( والغفير : الكثير ، ويقال جاء القوم جماً غفيراً ، أي جاءوا جميعاً )
وتلك دلالة الصيغة كما يبدو .
خلاصة ما سبق :
إن دلالة هذه المادة ( غ – ف – ر ) تدور حول عدة أمور منها :
1- الستر والتغطية وهذا هو الأصل ، ويشتق من اللفظ كلمات تطلق على هذا
المستور، فالغفير :هو القفا ، والمغفر : ما يوضع على الرأس ليستره ،
والغفارة : الثوب يغطى به الشيء .
2- كما يطلق اللفظ على الأشياء الدقيقة مثل هُدب الثوب حيث يقال له غَفْر ، ويقال أيضاً للنبات الصغير ( غَُفْرُ الأرض ) .
ولعل ذلك يربط بين المغفرة وصغائر الذنوب .
3- كما أن الكلمة تدل على عكس الستر فتعني الكشف والانفتاح ، كما في(غفر الجرح) بمعنى انتقض وفُتِحَ وانكشف ما فيه .
4- تدل الكلمة أيضاعلى العفو عن هذا الذنب المغفور فالمغفرة ستر يتبعه عفو.
5- وفي دلالة الكلمة أيضاً معنى الغلبة والقدرة فلا يقال ( غَفَرَ ) إلا عن اقتدار وتمكن، مما يعني أن المغفرة بداية العفو .
وهكذا تلين الكلمة وتطوع ؛لأن للسياق دوراً في توجيه المراد منها ،لكن تبقي مع هذا معقودة بأصلها وهو الستر والتغطية
دلالة ( غَفَرَ ) في القرآن الكريم .
يقول الأصفهاني : ( الغَفْرُ : إلباسُ ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل :
اغفر ثوبك في الوعاء ، واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من الله تعالي ، هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب ..قال : غفرانك ربنا ..
ومغفرة من ربكم .. ومن يغفر الذنوب إلا الله ، وقد يقال : غفرله إذا تجافي عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن نحو قوله تعالي: (قُلْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الجاثـية:14)
والاستغفار : طلب ذلك بالمقال والفعال .. وقوله ( استغفروا ربكم ) لم
يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط ، بل باللسان وبالفعال ، فقد قيل :
الاستغفار باللسان من دون فعل ذلك بالفعال فعلُ الكذّابين وهذا معني :
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)
(والغافر والغفور) في وصف
الله تعالي نحو ( غافر الذنب ) ( إنه غفور شكور ) والغفيرة : الغفران ،
ومنه قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) (إبراهيم:41)
وقيل:اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي:استروه بما يجب أن يستر به)
(والغفّار:الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة ، فلما تكررت ذنوبهم تكررت
مغفرته غفراً.)
وإذا كان هذا المعني لا يبعد كثيراً عن المعني
اللغوي ، إلا أن المغفرة في القرآن الكريم ، من خلال الأسماء الحسنى (
غافر – غفار – غفور ) تكتسب ظلالا أخرى وتتشرب من عيون
السياقات المتنوعة دلالات جديدة ، لكنها في الختام تعود إلى الأصل وهو :
الستر والتغطية .
وهذا سيتضح من خلال تحليل النماذج وسياقاتها داخل كل سورة .
الفروق الدلالية بين الصيغ الثلاثة
( فاعل ـ فعّال ـ فعول )
يرى النحاة أن اسم الفاعل هو[الجاري مجرى الفعل في اللفظ والمعنى ... ويعمل عمل الفعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال ....... ]
[ وليس القصد بقولهم : اسم الفاعل : اسم الصيغة ، بل المراد اسم ما فعل الشيء ]
[ فهو اسم مشتق من الثلاثي يدل على شيئين :
1- معنى مجرد عارض ليس بدائم ويسميه العلماء: الحدث .
2- فاعل هذا المعنى المجرد ويسميه العلماء : الذات ]
[ وصيغة فاعل تحتمل في دلالتها على الحدث : القلة والكثرة ، فإذا أريد
الدلالة على كثرة الحدث ( كماً أو كيفًا) حُوّلت –فاعل- إلى إحدى
صيغ المبالغة ] .
ومعنى هذا أنه [ عند صياغتنا اسم الفاعل فإننا نقصد شيئين :
المعنى المجرد وصاحبه،دون اهتمام ببيان درجة المعنى قوة أو ضعفاً وكثرة أو قلة .
وأما عند استخدامنا ( صيغة المبالغة ) فإننا نقصد إلى الأمرين معاً مزيداً عليهما بيان الدرجة كثرةً وقوةً .
[ ودلالة اسم الفاعل العارضة قد تكون في حق غير الله تعالى لصحة قيام
الأفراد لنفس الحدث لكن في حق الله تعالى فإن دلالة الدوام ثابتة فقولنا (
غافر ) مثلاً .... الغفران لا يكون إلا من الله ولذلك لا يقال : غافر
الذنب إلا لله تعالى .
أما غيره فيجوز أن يقال له : غافر ذنب فلان ، أو غافر الذنب الفلاني ، فيتخصص الذنب بصفته أو بصاحبه .
أما إطلاق الذنب وتعريفه بـ ( ال ) فيشير إلى عمومه ، فـ ( ال ) في
[الذنب] للجنس وليس للعهد فالله تعالى غافر لجنس الذنوب ولذلك قال :
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ) (الزمر53)] أو أنه غافر للذنوب في جميع الأزمنة [ واسم الفاعل
إذا أريد به زمان مستمر كانت إضافته لفظية ، والزمان المستمر يشمل الماضي
والحاضر والمستقبل ...
وإذا كان للثبوت كان غير عامل وكانت إضافته حقيقية ]
أما صيغة (فعال) و ( فعول ) .
فهما من صيغ المبالغة لاسم الفاعل وهذا يعني أن أصلهما اسم الفاعل لكن بولغ فيه.
والمبالغة [أن يذكر المتكلم وصفاً فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده وهي ضربان:
- مبالغة بالوصف بأن يخرج إلى حد الاستحالة ومنه: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور:35)
- ومبالغة بالصيغة : وصيغة المبالغة هي [ فعلان كالرحمن - وفعيل كالرحيم
– وفعال كالقهار – وفعول كغفور ... وفَعِل كحذر ] .
[ وصيغ المبالغة تشتق من الفعل الثلاثي المتعدى فقط لتدل على معنى اسم الفاعل مع المبالغة في المعنى وتأكيده وتقويته .
ومعنى المبالغة : تكرير أصل الفعل وتوكيده ]
وكلام العلماء يفيد أن صيغة (فاعل) لا مبالغة فيها حتى إذا أردنا المبالغة تُحول صيغة فاعل إلى فعال أو فعول أو مفعال ....... الخ
وهذا يثير سؤالاً،وهو:هل المعنى في(فاعل) أقل من المعنى في(فعول) أو ( فعال ) ؟
لقد قال العلماء [ إن (فعال ) أبلغ من ( فاعل ) وقالوا إن ( ضروب ) ناب عن قولك ضارب وضارب وضارب) ]
ولقد [ سأل الصاحب بن عباد القاضي عبد الجبار المعتزلي عن قوله تعالى :
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)
(الإنسان:3)
كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الغفران ؟
فأجاب أن نِعَم الله تعالى على عباده كثيرة وكل شكرٍ يأتي في مقابلها قليل
، وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم ، فجاء ( شكور ) بلفظ ( فاعل ) وجاء (
كفور ) بلفظ ( فعول ) على درجة المبالغة .. فتهلل وجه الصاحب )
كما أن البيهقي في كتابه الأسماء والصفات : وهو يشرح معاني هذه الأسماء يقول :
( غافر : الذي يستر على المذنب ، ولا يؤاخذه به ، فيُشهره ويفضحه .
والغفار : هو المبالغ في الستر فلا يشهر الذنب في الدنيا ، ولا في الآخرة .
والغفور:هو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ويزيد عفوه على مؤاخذته)
كل ذلك قالوه ، لكن الذي أميل إليه أن المبالغة وعدمها إنما تكون عند
استعمال هذه الصيغ في حق الإنسان ، فيقال صابر وصبور ، وآكل وأكول ، وأكال
، فالمبالغة وزيادة المعني في ( فعول وفعال ) مفهومه ، لكن عند استعمال
هذه الصيغ في حق الله تعالي، فالأمر يختلف ولذلك قال الزركشي: إن المبالغة
هنا إنما هي[ بالنسبة إلى تكثير التعلق،لا بالنسبة إلى تكثير الوصف، فاسمه
(الغفار) مثلاً يعني ( الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى وكلما تكررت
ذنوبهم تكررت مغفرته غفراً ) ] ......